انعقد حاجبا مدير المخابرات المركزية
الأمريكية في توتر، وهو يراجع ذلك الملف الضخم أمامه، قبل أن يتخذ ما
يعتبره أخطر قرار، في حياته كلها..
أو ربما في حياة دولته..
أقوى دولة في القرن الحادي والعشرين..
أو هكذا كان يتصوَّر..
حتى حدث ما حدث..
والملف أمامه كان يعود إلى مرحلة قديمة، عندما
بدأت تلك الزعيمة الغامضة محاولتها؛ للسيطرة على العالم كله، بعد أن قضت
على منظمة مستر (x) الرهيبة، ونجحت في الهيمنة على مدفع ليزري قوي، كان درة
برنامج حرب النجوم القديم..
وفي توتر، راجع شرطها العجيب..
شرط أن يتولى رجل مخابرات مصري كل المفاوضات، في هذا الشأن..
رجل يدعى (أدهم صبري)..
وطار (أدهم) من (مصر) إلى الولايات المتحدة الأمريكية، في طائرة خاصة، لحماية العالم أجمع من تلك الغامضة الرهيبة..
ولكنه لم يصل إلى هدفه قط..
لقد وجد نفسه يخوض مغامرة عنيفة، في قلب المحيط الأطلنطي، انتهت بنسف مقر الزعيمة، وإنقاذ (مصر) والعالم، ولكن بثمن باهظ..
باهظ للغاية..
فالزعيمة نسفت الممر، الذى كان يضم (منى)، و(قدري)، و(شريف)، و(ريهام)، وحتى ابنه (آدم)..
وخسر (أدهم) كل من أحب، في حياته كلها..
خسرهم من أجل حبه الأسمى..
من أجل (مصر)..
وبالنسبة للعالم كله، بدا أن (أدهم صبري) قد لقي حتفه، في ذلك الانفجار القوي الرهيب..
حتى المخابرات المصرية، تصوَّرت هذا..
ثم ظهر ذلك الغامض في (العراق)..
ظهر مع ثلاثة من أسود العرب، يقاتلون المحتل الأمريكي، في بسالة ما لها من مثيل، وسط صفوف المقاومة الحقة..
وفي الوقت الذي اشتعلت فيه النيران في
(الفالوجا)، سعى الإسرائيليون لدس أنفهم المعقوف في أرض (العراق)، عبر
محاولة للاستيلاء على قطعة أرض، بين (بغداد) و(يعقوبة)، تكون نواة لتواجدهم
في أرض عربية جديدة.. وفي الوقت ذاته، ظهرت صينية حسناء (تيا)، في عرين
مستر (x)، زعيم أقوى منظمة جاسوسية عالمية، تعرض عليه أن تسلمه رفاق
(أدهم)!..وكانت مفاجأة..
فوفقاً لما حصل عليه مستر (x) منها، بوسائله
العنيفة، كان (قدري) و(منى)، و(شريف) و(ريهام) على قيد الحياة، في قبضة
(باولو لاماس)، إمبراطور تجارة المخدرات، في قلب أحراش (كولومبيا)..
الإمبراطور الوحشي، الذي أباد فرقة عسكرية أمريكية كاملة، وأطعم تماسيحه جنودها، دون رحمة أو شفقة..
وكان على الإدارة الأمريكية أن تبحث عن وسيلة
أخرى، لاستعادة رفاق (أدهم)، من أحراش (كولومبيا)، وفقاً لأوامر مستر (x)،
الذي يملك ما يدين أفرادها جميعاً، أمام المجتمع الدولي..
ولكن المعلومة بلغت (أدهم)، في قلب (العراق)..
وانتفضت كل خلية في جسده..
وكل ذرة في كيانه..
واتخذ قراراً حاسماً..
حازماً..
وخطيراً..
قرار بالتخلي عن دوره، في المقاومة العراقية، والانطلاق للبحث عن رفاقه، واستعادتهم من قبضة الشر..
وفي (بوجوتا)، عاصمة (كولومبيا)، ضرب ضربته..
وحدَّد موقع غريمه (لاماس)..
وانطلق يواجهه..
لقد نفض عن كيانه سمة زعيم المقاومة، واستعاد قلب وطبيعة رجل المخابرات الخاص..
طبيعة (رجل المستحيل)..
وفي الوقت الذى بدأت فيه تلك الزعيمة الغامضة، في
إعادة بناء منظمتها، في ثلوج (روسيا)، بالتعاون مع زعيم المافيا الروسية
الجديد (أبل كورلوف)، كان (أدهم) يواجه رجال (لاماس)، في قلب أحراش
(كولومبيا).. وبينما توصَّل مستر (x) إلى موقع الزعيمة، كانت الإدارة
الأمريكية تستعد لقصف مقر (باولو لاماس) بالصواريخ، في حين كان رجال هذا
الأخير يلقون (أدهم) نفسه، مقيَّد اليدين والقدمين، في نهر (جرانياري)،
كطعام للتماسيح..
تماسيح (لاماس) الجائعة..
دوماً(*)..
لم يكن ذلك الملف، الذي يطالعه مدير المخابرات
الأمريكية، يحوي هذه المعلومات الأخيرة، التي لم تبلغه بعد، إلا أنه كان
يعلم، عبر جهاز الاتصال فائق الحساسية، الذي لا يدرك إمبراطور المخدرات
الكولومبي وجوده، أن (أدهم) هناك..
في قلب الأحراش..
مهزوماً..
وبينما انهمك في مطالعة الملف، ومراجعة كل ما
لديه من معلومات واتصالات، ارتفع رنين الهاتف الساخن الخاص به، فالتقط
سماعته بسرعة، قائلاً:
- أوامرك يا سيادة الرئيس.
بدا له صوت الرئيس الأمريكي خشناً أكثر من المعتاد، وهو يقول في اقتضاب وصرامة:
- أريدك في مكتبي فوراً.
لم يحاول سؤاله عما يريده، وهو يجيب:
- أنا في طريقي إليك، يا سيادة الرئيس.
أسرع يرتدي سترته، وحرص على وضع ذلك الملف، السري للغاية، في خزانته الخاصة، قبل أن يتجه فوراً إلى البيت الأبيض..
وعبر التاريخ، دارت في ذهنه عشرات الأسئلة..
تُرى كيف تدور الأمور الآن، في أحراش (كولومبيا)؟!..
ماذا سيفعل (أدهم صبري)، في مواجهة وحوش الأحراش؟!..
ووحوش البشر؟!..
ثم ألهذا علاقة بالسبب، الذي يريده الرئيس من أجله، أم..
قبل أن يكتمل تساؤله الأخير هذا، ارتفع رنين ذلك الهاتف، الخاص جداً في
سيارته، والذى يوصله بالرئيس مباشرة، فالتقط سماعته في سرعة، وقال في توتر،
لم يستطع كتمانه:
- أنا في طريقي إليك بالفعل يا سيادة الرئيس، وفور..
قاطعته ضحكة عابثة طويلة، اتسعت معها عيناه عن آخرها، في ذهول مستنكر، قبل أن يخترق صوت الزعيمة أذنيه، وهى تقول في سخرية:
- يا لها من معجزات، تقوم بها التكنولوجيا، في أيامنا هذه.
ولم يستطع النطق بحرف واحد..
فالمفاجأة كانت مذهلة..
إلى أقصى حد..
[b]كانت مياه نهر (جرافياري) شديدة البرودة، عندما ارتطم بها جسد (أدهم صبري)..
ولكن هذا لم يقلقه، في تلك اللحظة، وهو يغوص فيها، مقيَّد المعصمين والقدمين، بأربطة مطاطية بالغة القوة..
"لا يوجد قيد، لا يمكن التخلُّص منه.."..
استعاد ذهنه كلمات والده الراحل، وهو يثني جسده، بمرونة اكتسبها مع التدريب المتواصل، لنقل قيود معصميه، من خلف ظهره إلى أمامه..
كان يؤمن تماماً بمبدأ والده وعبارته..
ما من قيد، يستحيل التخلص منه..
كل قيد له وسيلة..
وفن..
ولكن هذا يحتاج إلى خبرة..
ومهارة..
ووقت..
وهذا هو أخطر ما في اللعبة..
وأصعبه..
الوقت..
فالتماسيح الجائعة أيضاً شعرت بسقوطه، في مياه نهرها..
وأدركت أن موعد الطعام قد حان..
وانطلقت إليه..
وفي الوقت الذي دفع هو فيه ساقيه بين ذراعيه، لينقل قيود معصميه إلى الأمام، كانت خمسة تماسيح قوية تندفع نحوه..
متلهفة..
جائعة..
متعطشة للدم..
وعلى ضفة النهر، هتفت (لوتشيا)، في حماس جذل:
- أراهن بألف دولار، أن التماسيح ستلتهمه في أقل من خمس دقائق.
مطَّ (لاماس) شفتيه الغليظتين، قائلاً:
- خمس دقائق؟!.. أتتصورين أن تماسيحي قد نفدت حيويتها ونشاطها.
غمغم أحد الرجال، وهو يحاول الابتسام:
- أمر طبيعي أيها الزعيم، فأنت تتخمها بالطعام طوال الوقت.
استدار إليه (لاماس) بنظرة صارمة، انكمش لها الرجل على نفسه، قبل أن يعيد هو بصره إلى النهر، قائلاً في خشونة:
- ثلاث دقائق على الأكثر.
هتف (لوتشيا) في حماس:
- سأراهن.
أشار بسبَّابته وإبهامه، قائلاً:
- ألفا دولار.
ضربت يده بكفها، هاتفة في جذل:
- اتفقنا.
ثم رفعت فوهة مدفعها الآلي، وأطلقت رصاصاته في الهواء، صارخة في شغف جنوني:
- هيا.. هيا أيتها التماسيح الجميلة.. التهمي طعامك في تأنٍ.. لا داعي للعجلةهتف (لاماس) في غلظة:
- بل أسرعي… أسرعي وإلا نسفتك نسفاً… أسرعي.
كانت العيون كلها مركزة على مياه النهر، في المنطقة التي تجمعت عندها
التماسيح، والتي بدت كما لو أنها تغلي، وذيول التماسيح تبرز منها وتختفي..
ثم تفجَّرت بقعة حمراء قانية، على سطح الماء..
ورفع (لاماس) ذراعيه، هاتفاً في حماس ساخر:
- خسرت يا (لوتشيا)..
انعقد حاجبا (لوتشيا)، ومطت شفتيها في غضب، وهي تهمهم بكلمات غير
مفهومة، فأطلق (لاماس) ضحكة ظافرة عالية، ومدَّ يده الضخمة إليها، هاتفاً:
- أنت تدينين لي بألفي دولار.
مطَّت شفتيها مرة أخرى، وهي تقول في عصبية:
- لا بأس.. إنني أشعل سيجارتي بأكثر من هذا.. سأعطيك إيهامها.
ثم رفعت مدفعها في تحفز، وأكملت في غضب واضح:
- بعد أن أقتل الأسرى.
قالتها، وجذبت إبرة مدفعها، واتجهت في حزم غاضب نحو الكوخ، الذي يحتفظون
فيه بالأسرى، في حين أطلق (لاماس) ضحكة عالية ظافرة أخرى، وهو يقول في
خشونة:
- كم تروق لي هذه المرأة، عندما تفقد أعصابها غضباً.
وشيعها بضحكة أخرى، شاركه فيها رجاله هذه المرة..
ضحكة تجمع بين السخرية، والشماتة، والظفر..
ضحكة لم تستطع احتمالها، وهي تضرب باب الكوخ بقدمها في غضب، قرَّرت أن
تفرغه عبر رصاصات مدفعها، وهي ترفع فوهته نحو الأسرى الأربعة، هاتفة:
- إنها فرصتكم الأخيرة لتلاوة صلواتكم، فقد أتاكم ملك الموت.
وفي نفس اللحظة، التي نطقت فيها عبارته، كان وزير الدفاع الأمريكي يعدِّل منظاره فوق أنفه، ويقول عبر جهاز اتصال بعيد المدى:
- نفذ..
ومع قوله، ضغط أحدهم زراً ما، في مكان ما..
وإثر ضغطته، انطلق صاروخ..
صاروخ اتجه نحو تلك الحقيبة الإليكترونية، التي أهداها الرئيس الأمريكي لإمبراطور المخدرات باولو لاماس)..
صاروخ يكفي لتدمير مقره..
ومعسكره..
وساحة هائلة من الأحراش من حوله..
وكان هذا يعني سحق الجميع..
(باولو)..
و(لوتشيا)..
ورجالهما..
والأسرى..
وحتى تلك التماسيح، في نهر (جرافياري)..
باختصار، كان ذلك الصاروخ يحمل الموت للجميع..
الجميع بلا استثناء.
[/b]